Abstract:
|
وبعد دراسة مختلف جوانب الحق في الاطلاع على المعلومات, يتبين وجود قصور في تنظيمه في القانون الجزائري, وعدم تجسيده بصورة فعلية, الأمر الذي يدعو إلى القول بأن المشرع جعل من الحق في الاطلاع مجرد شعار أو مبدأ عام, لا يزال يحتاج إلى اعتراف قانوني حقيقي بكونه حق من حقوق الإنسان الأساسية, ووضع نظام قانوني يسمح بممارسته فعليا من خلال إصدار قانون خاص يوضح إجراءات ممارسته.
حيث بالرغم من الاعتراف الدولي الواسع والمبكر بحق الاطلاع على المعلومات, سواء من خلال الصكوك الدولية أو الإقليمية الخاصة بحقوق الإنسان, و التي استنادا إليها تم وضع مبادئ لهذا الحق تسترشد بها الدول عند تنظيمه, إلا أنه يلاحظ أن المشرع الجزائري لم يبادر إلى إصدار قانون لتنظيم الحق في الاطلاع على المعلومات, واكتفى بالإشارة إليه ضمن نصوص قانونية مقتضبة, الأمر الذي نتج عنه غموض وهشاشة الأساس القانوني الذي يستند إليه هذا الحق, خاصة أمام عدم وجود نص دستوري يقر صراحة بحق الجمهور في الاطلاع على المعلومات, أما القوانين الأخرى التي تناولت هذا الحق, فلم تكرس إلا مزيدا من السرية والعمل الإداري المنفرد, فقانون البلدية والولاية اللذان تضمنا بعض التطبيقات للحق في الاطلاع على المعلومات, لم تتعدى مجرد معرفة جدول الأعمال لمداولات المجلس, ونشر ما علق في مداخل المقرات من ملخصات هذه المداولات, دون قدرة الجمهور على المشاركة في المناقشات, وإبداء رأيه حول المواضيع المعروضة للنقاش, الأمر الذي يؤدي إلى القول بأن ما قرر إعلانه لا يفي بأغراض حق الاطلاع كحق من حقوق الإنسان, ولا يسمح للمواطن بالولوج في العمل الإداري كشريك وليس كخاضع.
كما أن مرسوم 88-131 الذي حاول وضع المعالم الأولى للحق في الاطلاع على المعلومات, لم يكن في مستوى التطلعات, حيث تضمن نصوص عامة خالية من أي تفصيل أو أي ضمانات, ووردت نصوصه كشعارات لا قواعد قانونية, هذا فضلا على أن المرسوم لا يعبر بهذا الشأن إلا عـن رأي الإدارة, كمـا أن الرواسب الاجتماعية يصعب كسرها بالمراسيم على اعتبار أن عادات الكتمان المتجذرة لن تهتز إلا بواسطة قانون, و الذي من شأنه وحده إحداث الثورة الإدارية.
بالرغم من وضع المشرع الجزائري لآليات للاطلاع على المعلومات عن طريق نشر القانون في الجريدة الرسمية و تبليغ القرارات الإدارية الفردية, إلا أنه ونظرا لبعد هاتين الوسيلتين عن مفهوم الاتصال وترجمتها لفكرة جوهرية مؤداها أن لا أحد يستطيع التذرع بجهله القانون كمبرر لعدم التطبيق والتنفيذ, يمكن القول أن النشر والتبليغ أقيما ليس بناء على فلسفة حوارية بين الحاكم والمحكوم, بل القصد هنا غلق سبل التذرع لعدم الخضوع للإدارة ضمن منظور تنازعي غير متكافئ.
يعتبر السماح بالاطلاع على الوثائق الإدارية, المقوم الثاني الذي يرتكز عليه الحق في الاطلاع على المعلومات, إلا أن عدم توضيح المشرع لإجراءات ممارسة هذا الاطلاع, إضافة إلى عدم تعزيزه بضمانات يجعل هذا الحق غير قابل للممارسة.
كما أن التوسع في الاستثناءات التي تقيد الحق في الاطلاع على المعلومات يقيض هذا الحق إلى درجة يصبح الاطلاع هو الاستثناء, حيث فضلا عن سر الوثائق والمعلومات التي يحميها القانون صراحة ضد كل تسرب أو إفشاء, ومنها سر الحياة الخاصة, والسر الاقتصادي, والسر العسكري, هناك جملة من الأسرار قوامها السلطة التقديرية للإدارة, والبعض الآخر مرده عدم وجود تعريف دقيق لمبدأ السرية, أوجد له القانون العام من القواعد الصارمة أضافت في تأكيده وحالت دون الخروج عنه.
أما فيما يخص الحق في الاطلاع على المعلومات القضائية, فإنه بالرغم من ضمان بعض النصوص القانونية المنظمة لعمل القضاء لمبدأ حق الجمهور في الاطلاع على المعلومات القضائية, إلا أنه يلاحظ غياب النصوص الصريحة التي تكفل هذا الحق, مما يترك المجال في تطبيقه لمزاجية وتفسيرات وإرادة المسئولين في السلطة القضائية, بالإضافة إلى غياب النصوص التي تحدد آليات تمكين الجمهور من الاطلاع على المعلومات التي تهمه, من خلال توفير وحدات متخصصة و أدوات للنشر.
كذلك الأمر في المجال البيئي حيث وبعد النص صراحة على الحق في الاطلاع على المعلومات البيئية لم يفعل هذا الحق, بسبب تعليق تطبيقه على النصوص التنظيمية التي لم تصدر لحد الآن, إضافة إلى أن الآليات التي منحت للجمهور للاطلاع على المعومات البيئية تعتبر عديمة الفعالية, لكونها تقوم على إعلام الجمهور في الكثير من الأحيان بالقرار النهائي دون أن تشركه في صياغته, حيث مازالت الإدارة تعتبر المواطن كخاضع وليس كشريك في الحكم.
إلى جانب الإدارة يساهم الجمهور في تعطيل ممارسة الحق في الاطلاع على المعلومات البيئية, من خلال ضعف المبادرة, بسبب انعدام ثقافة حق الاطلاع.
أمام هذا الوضع, يتعين إصدار النصوص التنظيمية التي توضح بالتفصيل إجراءات ممارسة الحق في الاطلاع على المعلومات البيئية, بحيث يرقى الجمهور إلى مرتبة الشريك في عملية حماية البيئة, إضافة إلى دور المجتمع المدني في نشر ثقافة الاطلاع والمشاركة في صياغة القرارات البيئية. |